هل الحجامة سُنَّةٌ؟
. 24 مايو 2025
الشيخ إسماعيل المجذوب

31

هل الحجامة سُنَّةٌ؟

-(هل الحجامة سُنَّةٌ)، و (هل فيها شفاء من كل داء) و (هل لها أوقات مخصوصة من السَّنة أو الشهر ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؟)

الجواب:

- أما القول بأن الحجامة سنة يُتَقرَّب بفعلها إلى الله تعالى كصلاة النوافل والأكل باليمين وإفشاء السلام فهو قول غير صحيح.

-وأما القول بأن الحجامة من العلاجات التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم وعمل بها فهذا صحيح، ومن ذلك حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ) (رواه الإمام أحمد والبخاري في صحيحه)

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ، مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ) (البخاري).

-فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحجامة إحدى وسائل علاج الأمراض وأن فيها شفاءً، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم احتجم في رأسه من الشقيقة.

-لكنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر أنها أمرٌ مندوبٌ يفعلُه المسلم تقربًا إلى الله تعالى لينال الثواب كصلاة الضحى وصيام الاثنين والخميس والأكل باليمين

بل ذكرها عِلاجًا يُفعل طلبًا للشفاء من المرض.

-وما ذُكِرَ في الحديث من شُرب العسل والكيِّ والحجامة للمداواة جانبٌ طِبِّيٌّ مُجْمَلٌ لا بد فيه من التفصيل ككثير من المجملات التي ذكرت في القرآن والسنة كالمجملات التي ذُكِرَت فيها الأحكام الشرعية.

-ومجملات الأحكام الشرعية يفصل أحكامَها الراسخون في علم الأحكام الشرعية، ومجملات أمور الطب يفصل إجمالها علماء المسلمين الذين عندهم الأهلية لهذا التفصيل.

- فاللفظ العامُّ في القرآن والسنة قد يراد به العموم ولا يصح تخصيصه، وقد يكون عامًّا ويلحقه التخصيص، وقد يكون عامًّا يراد به الخصوص، واللفظ المطلق قد يكون حكمه على الإطلاق، وقد يكون مطلقًا وحكمه على التقييد؛ فحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((الْمَاءُ طَهُورٌ، لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ)) (أحمد وأبو داوود) لا يصح أن نحتج به على أن الماء المتغير بالنجاسة طهور يصح أن نتوضأ به، ويُرْجَعُ في هذه الأحكام إلى علماء الشريعة.

-وكذلك لا يصح أن نقول لمريض السكر اشرب العسل ففيه شفاؤك، وهو دواؤك، ولا نقول لمريض الناعور دواؤك الحجامة اعتماداً على عموم الحديث السابق: ((الشِّفَاءُ فِي ثَلاثَةٍ)

-والتوجه الصحيح في التعامل مع الأحاديث الصحيحة الواردة في الطب الرجوع إلى علماء الطب المؤمنين الذين يدركون من هذه الأحاديث ما لا يدركه البعيدون عن علم الطب.

-وأما توقيت الحجامة في شهر من السَّنَةِ أو أيام من الشهر قد نقل ابن حجر في الفتح عن بعضهم أقوالاً في أيام تكره فيها الحجامة وأقوالاً في أيام تستحب فيها ثم ذكر في بعض ذلك حديثاً ضعيفاً لا يعتمد عليه

وهو حديث أبي داود ((من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء)) ولكن هذا الحديث ضعيف كما يدل على ذلك كلام الحافظ ابن حجر.

-ثم قال ابن حجر: ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء قال حنبل بن إسحاق كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت.

-وبعد ما تقدم أقول: أنا لا أنكر العمل بالحجامة من باب العلاج والطب، وأنا قد احتجمتُ مرةً في قدمي لمعالجتها، ولكن مرادي أن أبين لإخواني أن ديننا دين العلم، وأن الأتباع الحقيقيين للنبي عليه الصلاة والسلام هم في تدينهم على بصيرة وأنهم لا يقولون ولا يعملون إلا بعلم {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]

-وأكرر مؤكداً: (الحجامة ليست سُنَّةً) و (لا يعالج بها كل الأمراض) و (يرجع في أحاديث الطب النبوي إلى علماء المسلمين بالطب فهم أقدر على فهمها والاستفادة منها).

وأقول آخراً: النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى فيما بَلَّغَ عن الله تعالى من الوحي الأول وهو القرآن الكريم.

وأيضًا لا ينطق عن الهوى فيما بلَّغ عن الله تعالى من الوحي الثاني وهو السنَّة التي هي الحكمة المنزلة مع القرآن الكريم، قال رب العالمين سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113]

والحمد لله تعالى وصل الله وسلم على سيدنا محمد الذي ترك أمته على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك وعلى آله وصحبه وأتباعه الذين يدعون إلى الله تعالى على بصيرة.