

399
تعلمنا من السنة أن حرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة
وتعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية المحافظة على حرمة حرم مكة عندما قال: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونني خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا)).
من أجل ذلك طوى ذكر أمور قطعية جاء بها القرآن الكريم في كتابة عهده مع المشركين يوم الحديبية تعظيما لحرمة مكة.
ولما أرادوا كتابة هذا العهد، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال سهيل بن عمرو مندوب المشركين: أَمَّا (الرَّحْمَنُ) فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هِيَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ (بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ) كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لاَ نَكْتُبُهَا إِلاَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ (بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ).
ثُمَّ قَالَ: (هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلاَ قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ).
بالإضافة إلى ذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم محاربة المشركين في حرم مكة مع قدرته على ذلك.
فقد ترك صلى الله عليه وسلم قتال المشركين وطوى ذكر أمور قطعية في العقيدة جاء بها القرآن من أجل المحافظة على حرمة مكة
وأسأل الله تعالى مالكَ الْمُلْك أن يوفق كلَّ جماعة من جماعات المسلمين أن تَطْويَ ذكر ما يخصها من أمور اجتهادية غير قطعية من تصوراتها وسلوكياتها في علاقاتها مع إخوتها من الجماعات المسلمة الأخرى.
يدفعني إلى هذا الرجاء وإلى هذه التذكرة أمران:
الأول: أن يكون ذلك وسيلة لتحقيق ما يمكن من وحدة المسلمين وأُلْفَتِهم والمحافظة على ما تبقى من حرمةِ هذه الوحدة والألفةِ التي هي أعظمُ مما حافظ عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حرمة مكة عندما طوى ذكر: (اسم الرحمن الرحيم) وطوى ذكر: ( أنه رسول الله).
الثاني: الرغبة في السلامة من الوعيد الذي حذرنا الله منه في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 105، 106]